فصل: الحكم الإجماليّ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


الموسوعة الفقهية / الجزء التاسع عشر

خاتم

انظر تختّم‏.‏

خادم

انظر خدمة‏.‏

خارج

انظر خروج‏.‏

خارجيّ

انظر فرق‏.‏

خاصّ

التّعريف

1 - الخاصّ في اللّغة‏:‏ من خصّ الشّيء يخصّه خصوصاً فهو خاصّ من باب قعد‏:‏ ضدّ عمّ، واختصّ مثله، والخاصّة خلاف العامّة‏.‏

وفي اصطلاح الأصوليّين‏:‏ هو ما وضع لواحد منفرد أو كثير محصور، سواء أكان الواحد باعتبار الشّخص كزيد، أو باعتبار النّوع كرجل وفرس‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

العامّ‏:‏

2 - العامّ في اللّغة‏:‏ الأمر الشّامل المتعدّد، سواء أكان الأمر لفظاً أم غير لفظ، يقال عمّهم الخير أو المطر‏:‏ إذا شملهم، وأحاط بهم‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هو اللّفظ المستغرق لجميع ما يصلح له، بوضع واحد من غير حصر‏.‏

الحكم الإجماليّ

3 - إذا ورد في النّصّ لفظ خاصّ ثبت الحكم لمدلوله، ما لم يقم دليل على تأويله، وإرادة معنىً آخر منه‏.‏ وإن تعارض الخاصّ مع العامّ بأن دلّ كلّ منهما على خلاف ما يدلّ عليه الآخر، فذهب الشّافعيّة إلى أنّ الخاصّ يخصّص العامّ، سواء علم أنّ الخاصّ متأخّر عن العامّ، أم تقارنا، أم علم تأخّره عن الخاصّ، أم جهل التّاريخ‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إن تأخّر الخاصّ نسخ من العامّ بقدر ما يدلّ عليه، وإن تأخّر العامّ نسخ الخاصّ، وإن جهل المتقدّم يجب التّوقّف‏.‏ إلاّ أن يترجّح أحدهما على الآخر بمرجّح، والتّفصيل في الملحق الأصوليّ للموسوعة‏.‏

الأجير الخاصّ

4 - هو من يعمل لواحد عملًا مؤقّتًا بالتّخصيص، كأن استؤجر لخدمة، أو خياطة، يوماً أو أسبوعاً ونحوه‏.‏ ويجب على الأجير الخاصّ أن يقوم بالعمل في الوقت المحدّد كلّه، سوى زمن التّطهّر للصّلوات الخمس، وزمن فعلها بسننها المؤكّدة، وصلاة جمعة، وعيد، فهي مستثناة شرعاً، ولا ينقص من الأجرة، ولا يصلّي النّوافل، فإن صلّاها نقص من أجرته‏.‏ ولا يلزم المستأجر أن يمكّن الأجير الخاصّ من الذّهاب إلى المسجد للجماعة، إن كان المسجد بعيداً، وإن كان قريباً ففيه احتمال، إلاّ أن يكون الإمام ممّن يطيل الصّلاة، فلا يلزمه قطعاً‏.‏

وقال المجد من الحنابلة‏:‏ ظاهر النّصّ يمنع من شهود الجماعة إلاّ بشرط في العقد أو إذن‏.‏ وسبت اليهود، ويوم الأحد للنّصارى مستثنىً منه كذلك شرعاً، وقال الزّركشيّ‏:‏ هل يلحق بذلك بقيّة أعيادهم‏؟‏ فقال‏:‏ فيه نظر، لا سيّما الّتي تدوم أيّاماً، والأقرب المنع، لعدم اشتهارها في عرف المسلمين وجهل النّاس لها، وتقصير الذّمّيّ في عدم اشتراطه في العقد‏.‏ ولا يجوز للأجير الخاصّ أن يعمل لغير مستأجره، فإن عمل لغيره فأضرّه بذلك فللمستأجر على الأجير ما فوّته عليه من منفعة‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إجارة‏)‏

الطّريق الخاصّ

5 - الطّريق الخاصّ هو الممرّ غير النّافذ المحصور بدور قوم محصورين، وهذا في الغالب فقد قال ابن عابدين‏:‏ المراد بالطّريق غير النّافذ المملوك، وليس ذلك ‏"‏ أي كونه غير نافذ ‏"‏ لعلّة الملك فقد ينفذ الطّريق وهو مملوك، وقد يسدّ منفذه هو للعامّة لكنّ ذلك ‏"‏ أي عدم النّفوذ ‏"‏ دليل على الملك غالباً، فأقيم مقامه ووجب العمل به حتّى يدلّ الدّليل على خلافه‏.‏ وقد اتّفق الفقهاء على أنّه لا يجوز لغير أهله - وهم من نفذ باب داره إليه - أن يحدث فيه شيئاً بغير إذنهم، وليس لأحدهم أن يشرع إليه جناحاً، أو أن يبني دكّةً إلاّ بإذن الآخرين‏.‏ ويفصّل الفقهاء أحكام الطّريق الخاصّ في‏:‏ باب الصّلح، وأحكام الجوار، وباب الشّركة عند المالكيّة فقط، ويذكره الشّافعيّة في فصل الحقوق المشتركة من باب الصّلح، وينظر مصطلح ‏(‏طريق‏)‏‏.‏

المال الخاصّ

6 - المال الخاصّ هو المال الّذي يملكه شخص معيّن، أو أشخاص محصورون، ومن أحكامه‏:‏ جواز التّصرّف فيه بأصالة أو بوكالة أو بولاية، ويقطع سارقه بشروطه، ويقابله المال العامّ‏:‏ كبيت مال المسلمين، والموقوف على المسلمين عامّةً، وكلّ ما كان نفعه للمسلمين عامّةً‏.‏ حيث لا قطع فيه عند الجمهور، ويذكره الفقهاء‏:‏ في باب البيع، والرّهن، والإجارة، وفي جميع أبواب المعاملات، وفي باب السّرقة‏.‏

خال

التّعريف

1 - الخال في اللّغة‏:‏ أخو الأمّ وإن علت، وجمعه أخوال، وأخت الأمّ خالة، والجمع خالات، يقال‏:‏ أخول الرّجل، فهو مخول‏:‏ أي كريم الأخوال، ويقال أيضاً‏:‏ أخول بالبناء للمجهول‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

العمّ‏:‏

2 - العمّ في اللّغة أخو الأب، أو أخو الجدّ، وإن علا، وجمعه أعمام والمصدر عمومة، يقال‏:‏ أعمّ الرّجل، إذا كرم أعمامه، يستعمل مبنيّاً للفاعل وللمفعول‏.‏

توريث الخال‏:‏

3 - الخال من ذوي الأرحام، باتّفاق الفقهاء، وذو الرّحم، هو كلّ قريب ليس بذي فرض، ولا عصبة‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في توريث الخال كسائر ذوي الأرحام، فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ الخال يورّث عند فقد العصبة وذوي الفرض غير الزّوجين، فيأخذ المنفرد من ذوي الأرحام جميع المال، بالقرابة إذا لم يوجد عصبة، ولا ذو فرض مطلقاً، ويأخذ ما بقي بعد فرض أحد الزّوجين، إن وجد لعدم الرّدّ عليهما‏.‏

واستدلّوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ‏}‏ أي أحقّ بالتّوارث في حكم اللّه تعالى، ولحديث‏:‏ «الخال وارث من لا وارث له» وقالوا‏:‏ روي هذا القول عن جمع من الصّحابة، منهم‏:‏ عمر، وعليّ، وأبو عبيدة بن الجرّاح، وغيرهم‏.‏

والأصل عند المالكيّة والشّافعيّة‏:‏ أنّ الخال لا يرث كسائر ذوي الأرحام، بل يكون المال لبيت المال وقالوا‏:‏ «إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا نزلت آيات المواريث‏:‏ قال‏:‏ إنّ اللّه أعطى كلّ ذي حقّ حقّه» وليس في الآيات ذكر للخال، واستدلّوا أيضاً بخبر‏:‏ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ركب إلى قباء يستخير اللّه في ميراث العمّة، والخالة، فأنزل عليه لا ميراث لهما» وقالوا‏:‏ ولأنّه لو كان وارثاً بالقرابة، لقدّم على المعتق، لأنّ القرابة مقدّمة على الإرث بالولاء‏.‏ ولكنّ المتأخّرين من فقهاء المذهبين أفتوا‏:‏ بأنّه إذا لم ينتظم أمر بيت المال، ردّ الباقي من المال على أهل الفرض غير الزّوجين إرثاً، فإن فقدوا صرف لذوي الأرحام‏.‏ التّفصيل في ‏(‏إرث ف / 15‏)‏‏.‏

ولاية الخال على الصّغيرة

4 - اختلف الفقهاء في ولاية الخال على الصّغيرة بالتّزويج‏:‏

فذهب جمهور الفقهاء‏:‏ إلى أنّه ليس للخال ولاية التّزويج على الصّغيرة، لأنّه ليس عصبة، فهو شبيه بالأجنبيّ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏ولاية‏)‏‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إنّ الخال يزوّج الصّغيرة عند فقد العصبة وفقد ذي الرّحم الأقرب منه، وأنّه يقدّم على السّلطان في الولاية عليها‏.‏

نفقة الخال

5 - اختلف الفقهاء في وجوب نفقة الخال‏.‏

فذهب الشّافعيّة، والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ الخال لا تجب له نفقة‏.‏ وقال الحنفيّة‏:‏ تجب نفقة الخال ككلّ ذي رحم محرم، وكذلك الحكم في إنفاق الخال على ولد أخته‏.‏

حضانة الخال

6 - جمهور الفقهاء على أن لا حضانة للخال، لأنّه ليس محرماً وارثاً عند بعضهم، وليس عصبة عند آخرين‏.‏ ومقابل الأصحّ عند الشّافعيّة والوجه المقدّم للحنابلة أنّ الخال له حقّ الحضانة‏.‏ والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏حضانة‏)‏‏.‏

تحريم نكاح الخال

7 - الخال قريب محرم، ولا يجوز له نكاح ابنة أخته باتّفاق أهل الملّة، لقوله تعالى في المحرّمات‏:‏ ‏{‏وَبَنَاتُ الأُخْتِ‏}‏‏.‏

ولاية الخال على مال الصّغير

8 - ليس للخال ولاية على مال الصّغير، ولم نقف على خلاف بين الفقهاء في ذلك‏.‏ والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏ولاية‏)‏‏.‏

خالة

التّعريف

1 - الخالة أخت الأمّ، والأمّ كلّ من انتسبت إليها بولادة، سواء وقع عليها اسم الأمّ حقيقةً وهي الّتي ولدتك، أو مجازاً، وهي الّتي ولدت من ولدك وإن علت‏.‏

من ذلك جدّتك أمّ أمّك وأمّ أبيك، وجدّتا أمّك، وجدّتا أبيك، وجدّات أجدادك، وجدّات جدّاتك وإن علون‏.‏ والجميع جدّات‏.‏

الأحكام الّتي تتعلّق بالخالة

تحريم الخالة‏:‏

2 - الخالة بالنّسب أو الرّضاع من المحارم المحرّم نكاحهنّ باتّفاق المسلمين، وقد ثبت تحريمهنّ بالكتاب والسّنّة‏:‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ‏}‏‏.‏ وخبر‏:‏ «يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب»‏.‏ وتفصيله في محرّمات النّكاح‏.‏

ميراث الخالة‏:‏

3 - الخالة بالنّسب من ذوي الأرحام باتّفاق الفقهاء، وتوريثهم محلّ خلاف بين الفقهاء‏.‏ فقال الشّافعيّة والمالكيّة في أصل المذهبين‏:‏ إنّ ذوي الأرحام لا يرثون‏.‏

وذهب الحنفيّة والحنابلة‏:‏ إلى أنّ ذوي الأرحام يرثون عند فقد العصبة، وذوي الفروض غير الزّوجين‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏إرث، وخال‏)‏‏.‏

حقّ الحضانة للخالة‏:‏

4 - الخالة ممّن لهنّ حقّ الحضانة، أمّا ترتيبهنّ في الحضانة فيرجع فيه إلى مصطلح‏:‏ ‏(‏حضانة‏)‏‏.‏

نفقة الخالة‏:‏

5 - لا تجب النّفقة للخالة عند جمهور الفقهاء، وقال الحنفيّة‏:‏ تجب النّفقة للخالة بالنّسب ككلّ ذي رحم محرم‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلحي‏:‏ ‏(‏خال، ونفقة‏)‏‏.‏

أمّا الخالة بالرّضاع‏:‏ فليس لها حقّ الحضانة، ولا النّفقة باتّفاق الفقهاء وتفصيل ذلك في المصطلحات‏:‏ ر‏:‏ ‏(‏نفقة، رضاع، حضانة‏)‏‏.‏

خَبَث

التّعريف

1 - الخبث في اللّغة هو كلّ ما يكره رداءةً وخسّةً محسوساً كان أو معقولاً، ويتناول من الاعتقاد الكفر، ومن القول‏:‏ الكذب، ومن الفعال القبيح قال ابن الأعرابيّ‏:‏ الخبث في كلام العرب‏:‏ المكروه، فإن كان من الكلام فهو الشّتم، وإن كان من الملل‏:‏ فهو الكفر، وإن كان من الطّعام‏:‏ فهو الحرام وإن كان من الشّراب فهو الضّارّ، والخبث في المعادن ما نفاه الكير ممّا لا خير فيه‏.‏ وفي اصطلاح الفقهاء‏:‏ هو عين النّجاسة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الرّجس‏:‏

2 - الرّجس‏:‏ هو النّتن والقذر، قال الفارابيّ‏:‏ كلّ شيء يستقذر فهو رجس، وقيل الرّجس‏:‏ النّجس‏.‏ قال الأزهريّ‏:‏ الرّجس هو النّجس القذر الخارج من بدن الإنسان، وعلى هذا فقد يكون الرّجس، والقذر، والنّجاسة بمعنى، وقد يكون الرّجس، والقذر بمعنى غير النّجاسة‏.‏ وقال النّقّاش‏:‏ الرّجس النّجس، ومثل الرّجس‏:‏ الرّكس والرّجز‏.‏

ب - الدّنس‏:‏

3 - الدَّنَس ‏(‏بفتحتين‏)‏ الوسخ‏.‏ يقال‏:‏ دنس الثّوب أي توسّخ، وأيضاً تدنّس، ودنّسه غيره‏.‏

الحكم الإجماليّ

4 - اتّفق الفقهاء على أنّ إزالة الخبث مأمور بها في الشّرع، واختلفوا هل ذلك على الوجوب، أو على النّدب‏؟‏

فصرّح بعض الفقهاء بوجوب إزالة الخبث مطلقاً، وأكثر الفقهاء على جواز لبس الثّوب النّجس، في خارج الصّلاة، وكرهه بعضهم‏.‏ واستدلّ القائلون بالوجوب بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ‏}‏ وبحديث‏:‏ «وكان الآخر لا يستنزه من البول»‏.‏

أمّا إزالة الخبث لمريد الصّلاة، فقد ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه شرط لصحّة الصّلاة إلاّ ما كان معفوًّا عنه ر‏:‏ ‏(‏شروط الصّلاة‏)‏‏.‏

وللمالكيّة في حكم إزالة النّجاسات عن ثوب المصلّي، وبدنه، ومكانه، قولان مشهوران‏:‏ أحدهما أنّ إزالة الخبث عمّا ذكر سنّة من سنن الصّلاة على كلّ حال، سواء ذكرها أم لم يذكرها، وسواء قدر على إزالتها أم لم يقدر، والقول الثّاني‏:‏ إنّها واجبة إذا كان ذاكرًا وجودها، وقدر على إزالتها بوجود ماء مطلق يزيلها به أو وجود ثوب طاهر، أو القدرة على الانتقال من المكان الّذي فيه الخبث إلى مكان طاهر‏.‏

وقال الحطّاب‏:‏ إنّ المعتمد في المذهب أنّ من صلّى بالنّجاسة متعمّداً عالماً بحكمها أو جاهلاً وهو قادر على إزالتها يعيد صلاته أبداً، ومن صلّى بها ناسياً لها، أو غير عالم بها، أو عاجزاً عن إزالتها يعيد في الوقت على قول من قال إنّها سنّة، وقول‏:‏ من قال‏:‏ إنّها واجبة مع الذّكر والقدرة‏.‏ ر‏:‏ التّفصيل في شروط الصّلاة وباب‏:‏ ‏(‏النّجاسة‏)‏‏.‏

5 - أمّا أنواع الخبث فإنّ العلماء اتّفقوا من أعيانه على أربعة‏:‏ ميتة الحيوان ذي الدّم الّذي ليس بمائيّ، ولحم الخنزير مطلقاً، والدّم المسفوح، وبول ابن آدم ورجيعه، واختلفوا في غير ذلك‏.‏ وللتّفصيل يرجع إلى مصطلح‏:‏ ‏(‏نجاسة‏)‏‏.‏

خبر

التّعريف

1 - الخبر لغةً‏:‏ اسم لما ينقل ويتحدّث به، وجمعه أخبار، واستخبره‏:‏ سأله عن الخبر وطلب أن يخبره، والخبير، العالم بكنه الخير، وخبرت الأمر أي علمته والخبير من أسماء اللّه تعالى معناه‏:‏ العالم بكنه الشّيء المطّلع على حقيقته‏.‏

أمّا عند علماء الحديث فقد قال ابن حجر العسقلانيّ‏:‏ الخبر عند علماء الفنّ ‏"‏ مصطلح الحديث ‏"‏ مرادف للحديث، فيطلقان على المرفوع وعلى الموقوف، والمقطوع، وقيل‏:‏ الحديث ما جاء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم والخبر ما جاء عن غيره، ومن ثمّ قيل لمن يشتغل بالسّنّة محدّث، وبالتّواريخ ونحوها أخباريّ، وقيل بينهما عموم وخصوص مطلق، فكلّ حديث خير ولا عكس، وقيل‏:‏ لا يطلق الحديث على غير المرفوع إلاّ بشرط التّقييد، وقد ذكر النّوويّ أنّ المحدّثين يسمّون المرفوع والموقوف بالأثر، وأنّ فقهاء خراسان يسمّون الموقوف بالأثر، والمرفوع بالخبر وتفصيله في علوم الحديث، وفي الملحق الأصوليّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الأثر‏:‏

2 - الأثر لغةً بتحريك الثّاء ما بقي من الشّيء أو هو الخبر، والجمع آثار، وحديث مأثور‏:‏ أي منقول، يخبر النّاس به بعضهم بعضاً أي ينقله خلف عن سلف وعند الفقهاء والأصوليّين يطلق الأثر على بقيّة الشّيء، كأثر النّجاسة، وعلى الحديث مرفوعاً كان أو موقوفاً أو مقطوعاً، وبعض الفقهاء يقصرونه على الموقوف، وقد يطلق عندهم على ما يترتّب على التّصرّف، فيقولون‏:‏ أثر العقد، وأثر الفسخ، وأثر النّكاح، ونحوه‏.‏

وبذلك يتبيّن أنّ الأثر أعمّ في إطلاقاته من الخبر‏.‏

النّبأ‏:‏

3 - النّبأ لغةً الخبر، وقال الرّاغب‏:‏ النّبأ خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظنّ، ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتّى يتضمّن هذه الأشياء، وحقّ الخبر الّذي يقال فيه نبأ‏:‏ أن يتعرّى عن الكذب كالمتواتر، وخبر اللّه وخبر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولتضمّن النّبأ معنى الخبر يقال أنبأته بكذا، ولتضمّنه معنى العلم، قيل‏:‏ أنبأته كذا، وجمعه أنباء، ويقال‏:‏ إنّ لفلان نبأً‏:‏ أي خبراً، واستنبأ النّبأ بحث عنه‏.‏ والنّبيّ صلى الله عليه وسلم المخبر عن اللّه والجمع أنبياء‏.‏ ويقال تنبّأ الكذّاب إذا ادّعى النّبوّة‏.‏

تقسيم الخبر

4 - الخبر إمّا أن يكون عن خاصّ أو عامّ‏.‏ فالخبر عن خاصّ منحصر في ثلاثة‏:‏ الإقرار، والبيّنة، والدّعوى ‏;‏ لأنّه إن كان بحقّ على المخبر فهو الإقرار، أو على غيره فهو الدّعوى، أو لغيره فهو الشّهادة‏.‏

وضبطها العزّ بن عبد السّلام بضابط آخر، وهو أنّ القول إن كان ضارّاً لقائله فهو الإقرار، وإن لم يكن ضارّاً به، فإمّا أن يكون نافعاً له أو لا، والأوّل هو الدّعوى، والثّاني الشّهادة‏.‏ والخبر عن عامّ هو أن يكون المخبر عنه عامّاً، لا يختصّ بمعيّن، وينحصر أيضاً في ثلاثة‏:‏ الرّواية، والحكم، والفتوى، لأنّه إن كان خبرًا عن محسوس فهو الرّواية، وإن لم يكن، فإن كان فيه إلزام فهو الحكم، وإلاّ فالفتوى، وعلم من هذا ضابط كلّ واحد من هذه السّتّة‏.‏ وينظر شروط كلّ نوع من أنواع الخبر في مصطلحاتها‏.‏

انظر ‏(‏شهادة، وإقرار، ودعوى، وقضاء، وفتوى‏)‏‏.‏

أحكام الخبر

الخبر عن النّجاسة

5 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا أخبر الثّقة بنجاسة ماء، أو ثوب، أو طعام، أو غيره، وبيّن سبب النّجاسة وكان ذلك السّبب يقتضي النّجاسة حكم بنجاسته، لأنّ خبر الواحد العدل في مثل هذه الأشياء مقبول، وليس هذا من باب الشّهادة، وإنّما هو من باب الخبر، وكذا لو أخبر عن دخول وقت الصّلاة، وعن حرمة الطّعام أو حلّه، ولا فرق في هذا بين الرّجل والمرأة، ولا بين الأعمى البصير بخلاف الكافر والفاسق فلا يقبل خبرهما في النّجاسة والطّهارة، وكذا المجنون والصّبيّ الّذي لا يميّز فلا يقبل خبرهما في مثل هذه الأشياء بلا خلاف‏.‏ أمّا الصّبيّ المميّز فقد اختلفوا في قبول خبره‏.‏

فذهب الجمهور إلى عدم قبول خبره، لأنّه لا يوصف بالعدالة لصغره، لأنّ العدل يشترط فيه أن يكون مسلماً عاقلاً بالغاً‏.‏

وذهب بعض الشّافعيّة في مقابل الأصحّ إلى قبول خبر الصّبيّ المميّز‏.‏

أمّا إذا لم يبيّن المخبر سبب النّجاسة، ولم يتّفق مذهب المخبَر ‏"‏ بفتح الباء ‏"‏ والمخبِر ‏"‏ بكسرها ‏"‏ فلا يلزمه قبول خبره لاحتمال اعتقاده نجاسة الماء بما لا ينجّسه أصلاً، أو بسبب لا يعتقده المخبَر ‏"‏ بالفتح ‏"‏‏.‏ والتّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏نجاسة، وصلاة‏)‏‏.‏

ويجوز للمخبَر ‏"‏ بفتح الباء ‏"‏ أن يحكّم رأيه في خبر الفاسق، والصّبيّ، المميّز، والكافر، فإن غلب على ظنّه أنّه صادق عمل به، وإن لم يغلب فلا يعمل به‏.‏

ويقبل خبر الفاسق والصّبيّ المميّز والكافر في الإذن في دخول الدّور ونحوها وكذلك في الإخبار عن الهديّة من صبيّ يحملها‏.‏ لثبوت ذلك عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

والتّفصيل في ‏(‏دعوى، شهادة‏)‏‏.‏

الخبر عن القبلة ونحوها من الأمور

6 - اتّفق الفقهاء على قبول قول من يعتمد خبره عن القبلة، كأن يكون مسلماً، عاقلاً، بالغاً عدلاً، سواء أكان رجلاً أم امرأةً‏.‏ ولا يقبل خبر الكافر في شأن القبلة، ولا خبر المجنون والصّبيّ الّذي لم يميّز، واختلفوا في الصّبيّ المميّز والفاسق‏.‏

فذهب الجمهور إلى عدم قبول خبرهما، لأنّ روايتهما وشهادتهما لا تقبل، ولأنّ الصّبيّ لا يلحقه مأثم بكذبه، فتحرّزه عن الكذب غير موثوق به، أمّا الفاسق فلقلّة دينه، وتطرّق التّهمة إليه‏.‏ وذهب الشّافعيّة في وجه، وبعض الحنابلة إلى قبول خبرهما‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏استقبال‏)‏‏.‏

الخبر عن رؤية هلال رمضان

7 - اختلف الفقهاء في قبول خبر الواحد عن رؤية هلال شهر رمضان بسبب اختلافهم في كون هذه الرّؤية من باب الأخبار، أو من باب الشّهادة‏.‏

فذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو حنيفة في رواية عنه إلى قبول خبر ثقة واحد عن رؤية هلال شهر رمضان بشرط أن يكون مسلماً، عاقلاً، بالغاً، عدلاً، سواء أكانت السّماء مصحيةً أم لا‏.‏ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال «تراءى النّاس الهلال فأخبرت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّي رأيته فصامه وأمر النّاس بصيامه»‏.‏ ولما روى ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ «جاء أعرابيّ إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إنّي رأيت هلال رمضان فقال‏:‏ أتشهد أن لا إله إلاّ اللّه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ أتشهد أنّ محمّداً رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ يا بلال أذّن في النّاس فليصوموا غداً» ولأنّه خبر دينيّ يشترك فيه المخبر والمخبر فقبل من واحد، ولا فرق عند هؤلاء بين الرّجل والمرأة‏.‏

وعند الشّافعيّة وفي قول مرجوح لدى الحنابلة لا يثبت برؤية امرأة‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه إن كانت السّماء مصحيةً، فيشترط لثبوت هلال رمضان رؤية عدد من الشّهود يقع العلم القطعيّ للقاضي بشهادتهم لتساوي النّاس في الأسباب الموصلة إلى الرّؤية، وتفرّد واحد بالرّؤية مع مساواة غيره دليل الكذب أو الغلط في الرّؤية، أمّا إذا كانت السّماء غير مصحية أو بها علّة، فيقبل خبر الواحد العدل في رؤية هلال رمضان، سواء كان رجلاً أم امرأةً غير محدود في قذف أو محدودًا تائبًا بشرط أن يكون مسلماً، عاقلاً، بالغاً، عدلاً، لحديث ابن عبّاس الّذي سبق ذكره، ولأنّ هذه العلّة تمنع التّساوي في الرّؤية لجواز أنّ قطعةً من الغيم انشقّت فظهر الهلال فرآه واحد فاستتر بالغيم من ساعته قبل أن يراه غيره‏.‏

أمّا المالكيّة فيرون أنّه لا بدّ لثبوت هلال رمضان من إتمام شعبان ثلاثين يوماً، أو رؤية عدلين أو أكثر، وهو قول لدى الشّافعيّة، ورواية عن أحمد، لما روى عبد الرّحمن بن زيد بن الخطّاب‏:‏ أنّه خطب النّاس في اليوم الّذي يشكّ فيه فقال‏:‏ ألا إنّي جالست أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وسألتهم، وأنّهم حدّثوني أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها‏.‏ فإن غمّ عليكم فأكملوا ثلاثين، فإن شهد شاهدان فصوموا وافطروا»‏.‏ وتنظر التّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏صوم، شهادة‏)‏‏.‏

خبرة

التّعريف

1 - الخبرة في اللّغة - بكسر الخاء وضمّها - العلم بالشّيء، ومعرفته على حقيقته، من قولك‏:‏ خبرت بالشّيء إذا عرفت حقيقة خبره‏.‏ ومثله الخبر والخبر، والمخبرة‏.‏ والمخبرة‏.‏ والخبير بالشّيء، العالم به صيغة مبالغة، مثل عليم، وقدير، وأهل الخبرة ذووها واستعمل في معرفة كنه الشّيء وحقيقته، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَاسْألْ بِهِ خَبِيرَاً‏}‏، والخبير اسم من أسماء اللّه تعالى‏.‏ وهو العالم بكنه الشّيء المطّلع على حقيقته‏.‏ هذا في الأصل‏.‏ وعلم اللّه تعالى سواء فيما غمض من الأشياء ولطف، وفيما تجلّى منه وظهر‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

وقد عبّر بعض الفقهاء عن الخبرة بلفظ البصيرة، كما عبّروا عنها بلفظ المعرفة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - العلم والمعرفة‏:‏

أوّلاً‏:‏ العلم‏:‏

2 - العلم يطلق على معان‏:‏ منها ما يصير به الشّيء منكشفاً، ومنها الصّورة الحاصلة من الشّيء عند العقل، ومنها الإدراك، ومنها الاعتقاد الجازم المطابق للواقع‏.‏

ثانياً‏:‏ المعرفة‏:‏

3 - أمّا المعرفة فهي إدراك الشّيء على ما هو عليه، وهي مسبوقة بجهل، بخلاف العلم‏.‏ والفرق بينهما وبين الخبرة، أنّ الخبرة العلم بكنه المعلومات على حقائقها، ففيها معنىً زائد على العلم والمعرفة‏.‏

ب - التّجربة‏:‏

4 - التّجربة مصدر جرّب، ومعناه الاختبار مرّةً بعد أخرى، وعلى ذلك فالتّجربة اسم للاختبار مع التّكرار، لأنّها من التّجريب الّذي هو تكرير الاختبار والإكثار منه، ولا يلزم في الخبرة التّكرار‏.‏

ح - البصر أو البصيرة‏:‏

5 - البصيرة لغةً‏:‏ العلم والخبرة، يقال‏:‏ هو ذو بصر وبصيرة، أي ذو علم وخبرة‏.‏ ويعرف المعنى الاصطلاحيّ ممّا أورد ابن عابدين في أنّ القاضي يرجع في تقدير القيمة إلى أهل البصيرة وهم أهل النّظر والمعرفة في قيمة الشّيء‏.‏

د - القيافة‏:‏

6 - القيافة مصدر قاف الأثر قيافةً إذا تتبّعه‏.‏

والقائف هو من يعرف الآثار ويتتبّعها، ويعرف شبه الرّجل بأخيه، وأبيه، والجمع القافة‏.‏ وتستعمل في اصطلاح الفقهاء في نفس المعنى‏.‏

قال في المغني‏:‏ القافة قوم يعرفون الإنسان بالشّبه‏.‏

هـ - الحذق‏:‏

7 - الحذق المهارة، يقال‏:‏ حذق الصّبيّ القرآن والعمل يحذقه حذقاً وحذقاً إذا مهر فيه، وحذق الرّجل في صنعته أي مهر فيها، وعرف غوامضها ووقائعها‏.‏

فالحذق يستعمل في المهارة في الصّنعة غالباً، وهو لهذا الاعتبار أخصّ من الخبرة‏.‏

و- الفراسة‏:‏

8 - الفراسة بكسر الفاء هي التّثبّت والتّأمّل للشّيء والبصر به، يقال‏:‏ إنّه لفارس بهذا الأمر إذا كان عالمًا به‏.‏ وفي الحديث‏:‏ «اتّقوا فراسة المؤمن»‏.‏

ويقول ابن الأثير‏:‏ الفراسة إمّا أن تكون بإلهام من اللّه تعالى، أو تتعلّم بالدّلائل والتّجارب والخلق والأخلاق فتعرف به أحوال النّاس‏.‏ يقول ابن فرحون‏:‏ الفراسة ناشئة عن جودة القريحة وحدّة النّظر وصفاء الفكر‏.‏ فهي بهذا المعنى قريبة لمعنى الخبرة‏.‏

حكم الخبرة

9 - تكلّم الفقهاء عن الخبرة واعتمدوا على قول أهل الخبرة في كثير من الأحكام الفقهيّة ويختلف حكمها تبعاً لموطنها‏.‏ وفيما يلي بيانها‏:‏

الخبرة في التّزكية

10 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ القاضي إذا لم يعرف حال الشّهود يجب أن يطلب من يزكّيهم عنده ليعلم عدالتهم، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مِمَّنْ تَرْضَونَ مِن الشُّهَدَاءِ‏}‏‏.‏

وأكثر الفقهاء على أنّ تزكية السّرّ ضروريّة في هذه الحالة‏.‏ ويرى بعضهم تزكية الشّاهد، التّزكية العلانية أيضاً‏.‏

وتزكية الشّهود تكون باختيار القاضي من هم أوثق النّاس عنده، وأورعهم ديانةً، وأدراهم بالمسألة وأكثرهم خبرةً، وأعلمهم بالتّمييز فطنةً، فيكتب لهم أسماءً وأوصاف الشّهود، ويكلّفهم تعرّف أحوالهم ممّن يعرفهم من أهل الثّقة والأمانة، وجيرانهم ومؤتمني أهالي محلّتهم، وأهل الخبرة بهم، وممّن ينسبون إليه من معتمدي أهل صنعتهم ‏"‏ أي نقيب الحرفة مثلاً ‏"‏‏.‏ فإذا كتبوا تحت اسم كلّ منهم‏:‏ عدل، ومقبول الشّهادة ‏"‏ يحكم بشهادتهم وإلاّ فلا‏.‏ وذهب أكثر الفقهاء إلى أنّ المزكّي يشترط فيه معرفة أسباب الجرح والتّعديل، ومعرفة خبرة باطن من يعدّله، لخبرة، أو جوار، أو معاملة ليكون على بصيرة بما يشهد‏.‏

ولأنّ عادة النّاس إظهار الصّالحات وإسرار المعاصي، فإذا لم يكن ذا خبرة باطنة، ربّما اغترّ بحسن ظاهره وهو فاسق في الباطن‏.‏

هذا في تزكية السّرّ، أمّا تزكية العلانية فتحصل في حضور الحاكم والخصمين‏.‏ وبما أنّ تزكية العلانية تعتبر شهادةً، فيشترط فيها ما يشترط في الشّهادة من التّعدّد والعدالة وغيرهما‏.‏ أمّا تزكية السّرّ ففيها خلاف وتفصيل ينظر في مصطلحي‏:‏ ‏(‏تزكية، وشهادة‏)‏‏.‏

الخبرة في القسمة

11 - القسمة تحتاج إلى قاسم، وقد يتولّى القسمة الشّركاء أنفسهم إذا كانوا ذوي أهليّة وملك وولاية، فيقسمون المال بينهم بالتّراضي، وقد يتولّى القسمة غير الشّركاء ممّن يعيّنونه أو ينصّبه الحاكم‏.‏

واتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في القاسم بجانب سائر الشّروط أن يكون أميناً، عالماً بالقسمة، عارفاً بالحساب والمساحة، ليوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه، لأنّها من جنس عمل القضاء، ولا بدّ من الاعتماد على قوله، والقدرة على القسمة، وذلك بالأمانة والعلم‏.‏

ولا فرق في هذا الشّرط بين القاسم الّذي عيّنه الشّركاء، والّذي نصبه الإمام عند جمهور الفقهاء، خلافاً للشّافعيّة حيث قالوا لا يشترط ذلك في منصوب الشّركاء لأنّه وكيل عنهم‏.‏ ولا يشترط أن يكون القاسم متعدّداً، فيكفي أن يكون شخصًا واحدًا ذا معرفة وخبرة عند جمهور الفقهاء، لأنّ طريقه الخبر عن علم يختصّ به قليل من النّاس، كالقائف والمفتي والطّبيب، إلاّ إذا كان في القسمة تقويم للسّلعة فيجب أن يقوم بذلك قاسمان، لأنّ التّقويم شهادة بالقيمة فيشترط فيه التّعدّد‏.‏ وجاء في فتح العليّ المالك‏:‏ إذا اطّلع أحد المتقاسمين على عيب فيما خصّه، ولم يعلما به قبل القسمة، وهو خفيّ ثبت بقول أهل المعرفة، فإن كان العيب في أكثر نصيبه، خيّر بين إمساك النّصيب ولا شيء له، وبين ردّ القسمة فإن كان النّصيبان قائمين رجعا شائعين بينهما كما كانا قبل القسمة‏.‏ وإن فات أحد النّصيبين بنحو صدقة أو بناء، أو هدم، ردّ آخذه قيمة نصفه، وكان النّصيب القائم بينهما، وإن فاتا تقاصّا‏.‏ وتفصيل هذه المسائل في مصطلحي‏:‏ ‏(‏قسمة، وخيار العيب‏)‏‏.‏

الخبرة في الخارص

12 - الخرص‏:‏ الحزر والتّحرّي، وهو اجتهاد في معرفة قدر الشّيء من التّمر والعنب لمعرفة قدر الزّكاة فيه‏.‏

فإذا بدا صلاح الثّمار من التّمر والعنب وحلّ بيعهما ينبغي أن يبعث الإمام من يخرصها، ويعرف قدر الزّكاة فيها، وهذا عند جمهور الفقهاء‏:‏ المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

ويشترط في الخارص أن يكون عالماً بالخرص لأنّه اجتهاد في معرفة مقدار الثّمر والزّكاة الواجبة فيه، والجاهل بالشّيء ليس من أهل الاجتهاد فيه، ويجزئ خارص واحد إن كان عدلاً عارفاً، وفي قول عند الشّافعيّة‏:‏ ويشترط اثنان كالتّقويم والشّهادة‏.‏

وإذا اختلف الخارصون فيعمل بتخريص الأعرف منهم‏.‏ واستدلّ الجمهور لمشروعيّة الخرص بأحاديث منها، ما ثبت «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد اللّه بن رواحة إلى يهود، فيخرص النّخل حتّى يطيب قبل أن يؤكل منه»‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ الخرص ظنّ وتخمين فلا يلزم به حكم‏.‏ واستدلّوا بما روى الطّحاويّ من حديث جابر أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «نهى عن الخرص»‏.‏

وقالوا‏:‏ إنّ الخرص الوارد في بعض الأحاديث المراد به أن يعلم مقدار ما في نخلهم، ثمّ تؤخذ منهم الزّكاة وقت الصّرام على حسب ما يجب فيها‏.‏ وإنّما كان يفعل تخويفًا للمزارعين لئلاّ يخونوا لا ليلزم به حكم‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ خرص‏)‏‏.‏

خبرة القائف

13 - القائف من يعرف الآثار ويتتبّعها، ويعرف شبه الرّجل بأخيه وأبيه‏.‏

وذهب الجمهور خلافاً للحنفيّة إلى أنّه يعمل بقول القائف في ثبوت النّسب إذا كان خبيراً مجرّباً، ولم توجد لإثبات نسب الطّفل بيّنة، أو تساوت بيّنة الطّرفين‏.‏

وقد ورد في الأخذ بقول القائف أحاديث منها‏:‏ حديث عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ «دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عليّ ذات يوم وهو مسرور فقال‏:‏ يا عائشة ألم تري أنّ مجزّزاً المدلجيّ دخل عليّ فرأى أسامة وزيداً وعليهما قطيفة قد غطّيا رءوسهما وبدت أقدامهما فقال‏:‏ إنّ هذه الأقدام بعضها من بعض»‏.‏

ويكفي قائف واحد في إلحاق النّسب لأنّه كحاكم، فيكفي مجرّد خبره‏.‏ ويشترط فيه بجانب سائر الشّروط أن يكون عالمًا مجرّبًا في الإصابة، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا حكيم إلاّ ذو تجربة» ولأنّه أمر علميّ فلا بدّ من العلم بعلمه له وذلك لا يعرف بغير التّجربة فيه‏.‏ ومن طرق تجربته أن يعرض عليه ولد في نسوة ليس فيهنّ أمّه ثلاث مرّات، ثمّ في نسوة هي فيهنّ، فإذا أصاب في كلّ فهو مجرّب‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏قيافة‏)‏‏.‏

الخبرة في التّقويم

14 - اتّفق الفقهاء على الأخذ بقول أهل الخبرة من التّجّار، وأهل الصّنعة في قيمة المتلفات وأروش الجنايات، وقيمة العرض المسروق، وقيم السّلع المبيعة، أو المأجورة لإثبات العيب، أو الجور، أو الغرر ونحوها‏.‏

قال في الدّرّ‏:‏ لو باع الوصيّ شيئاً من مال اليتيم ثمّ طلب منه بأكثر من ذلك رجع فيه القاضي إلى أهل البصيرة، أي أهل النّظر والمعرفة في قيمة ذلك الشّيء‏.‏

ونصوص الفقهاء في هذه الأمور كثيرة، منها‏:‏ ما ذكر في مجلّة الأحكام أنّ نقصان الثّمن يكون معلوماً بإخبار أهل الخبرة الخالين عن الغرض، وذلك بأن يقوّم الثّوب سالماً ثمّ يقوّم معيباً، فما كان بين القيمتين من التّفاوت يرجع به المشتري على البائع‏.‏

ويقول ابن فرحون‏:‏ يرجع إلى قول التّاجر في قيم المتلفات، ويقبل قول الواحد إلاّ أن يتعلّق بالقيمة حدّ من حدود اللّه، كتقويم العرض المسروق، هل بلغت قيمته النّصاب أو لا‏؟‏ فهاهنا لا بدّ من اثنين‏.‏

لأنّ المقوّم له ثلاثة أشباه‏:‏ شبه الشّهادة، لأنّه إلزام لمعيّن وهو ظاهر، وشبه الرّواية، لأنّ المقوّم متصدّ لجميع النّاس، وهو ضعيف لأنّ الشّاهد كذلك، وشبه الحاكم، لأنّ حكمه ينفذ في القيمة‏.‏ فإن تعلّق بإخباره حدّ تعيّن مراعاة الشّهادة‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ يقبل قول المقوّم الواحد لأرش الجنايات‏.‏ وقال الخرشيّ‏:‏ المقوّم الّذي يترتّب على تقويمه قطع، أو غرم فلا بدّ فيه من التّعدّد وإلاّ فيكفي فيه الواحد‏.‏

وقال ابن فرحون‏:‏ ويرجع إلى أهل المعرفة من التّجارة في تقويم المتلفات وعيوب الثّياب‏.‏ ومثله ما ورد في كتب الشّافعيّة والحنابلة من أنّ المرجع في معرفة العيب ونقص الثّمن إلى العادة والعرف، وتقويم أهل الخبرة من التّجّار وأهل الصّنعة‏.‏ لكنّهم قالوا‏:‏ إنّ التّقويم لا يكون بالواحد بل يحتاج إلى اثنين، لأنّه شهادة بالقيمة فلا بدّ فيه من التّعدّد‏.‏

وتفصيل هذه المسائل في أبوابها من الضّمان، وخيار العيب، والشّهادة والغرر ونحوها‏.‏

الخبرة في معرفة العيوب الموجبة للخيار

15 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا وجد في المبيع عيب قديم لا يمكن إزالته فللمشتري أن يفسخ البيع ويستردّ الثّمن‏.‏

ومع تفصيلهم وخلافهم في وضع ضابط للعيب الموجب للرّدّ، فإنّ جمهور الفقهاء على أنّ المرجع في معرفة العيب وقدمه قول أهل الخبرة، فقد جاء في المجلّة‏:‏ العيب هو ما ينقص ثمن المبيع عند التّجّار وأرباب الخبرة‏.‏ ونقصان الثّمن يكون معلوماً بإخبار أهل المعرفة‏.‏ ومثله ما ذكره ابن عابدين والزّيلعيّ من الحنفيّة‏.‏

ونحوه ما جاء في كتب المالكيّة مع اختلاف في العبارة حيث قالوا‏:‏ القول في نفي العيب أو نفي قدمه للبائع إلاّ بشهادة العادة أي شهادة أهل المعرفة للمشتري‏.‏ وقال ابن فرحون‏:‏ يجب الرّجوع إلى قول أهل البصر والمعرفة من النّخّاسين في معرفة عيوب الحيوانات‏.‏

كما نصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّه لو اختلف الطّرفان في الموجود هل هو عيب أو لا‏؟‏ أو اختلفا في معرفة العيب القديم، رجع فيه لأهل الخبرة، فإن قال أهل الخبرة هو عيب فله الفسخ، وإلاّ فلا‏.‏ ينظر مصطلح ‏(‏خيار العيب‏)‏‏.‏

خبرة الطّبيب والبيطار

16 - اتّفق الفقهاء على أنّه يرجع إلى الأطبّاء ممّن لهم خبرة في معرفة العيوب المتعلّقة بالرّجال والنّساء، وفي معرفة الشّجاج والجراح وتحديد أسمائها من الموضحة، والدّامية، والدّامغة ونحوها‏.‏ كما اتّفقوا على الأخذ بقول البياطرة ممّن له خبرة في عيوب الدّوابّ‏.‏ وفيما يأتي بعض النّصوص من كلام الفقهاء في هذا المجال‏:‏ قال ابن فرحون‏:‏ يرجع إلى أهل الطّبّ والمعرفة بالجراح في معرفة طول الجرح، وعمقه، وعرضه، وهم الّذين يتولّون القصاص فيشقّون في رأس الجاني أو في بدنه مثل ذلك ولا يتولّى ذلك المجنيّ عليه‏.‏

وجاء في المغني‏:‏ إذا اختلف في الشّجّة هل هي موضحة أو لا، أو فيما كان أكثر من ذلك كالهاشمة، والمنقّلة، والآمّة، والدّامغة، أو أصغر منها كالباضعة، والمتلاحمة، والسّمحاق، أو في الجائفة وغيرها من الجراح الّتي لا يعرفها إلاّ الأطبّاء، أو اختلفا في داء يختصّ بمعرفته الأطبّاء أو في داء الدّابّة، يؤخذ بقول طبيبين أو بيطارين إذا وجدا، فإن لم يقدر على اثنين أجزأ واحد، لأنّه ممّا يختصّ به أهل الخبرة من أهل الصّنعة‏.‏

وتفصيل هذه المسائل في مواضعها ‏(‏ر‏:‏ شهادة، شجاج، خيار العيب‏)‏‏.‏

عدد أهل الخبرة

17 - الأصل أنّ قول أهل الخبرة إن كان على جهة الشّهادة يجب فيه اثنان عند جمهور الفقهاء، إلاّ إذا لم يقدر على اثنين‏.‏ وإن كان على جهة الإخبار والرّواية فلا يجب فيه التّعدّد ويكفي فيه المخبر الواحد ولو كان غير مسلم، ومن هذا القبيل أهل المعرفة في العيوب، ومنهم الطّبيب والبيطار، والخارص، والقائف، والقسّام، وقائس الشّجاج ونحوهم‏.‏ واتّفقوا على أنّه لا يعتبر قول الواحد فيما يتعلّق بحدّ من حدود اللّه تعالى‏.‏

قال ابن فرحون‏:‏ القيمة الّتي يتعلّق بها حدّ كتقويم العرض المسروق، هل بلغت قيمته النّصاب أم لا‏؟‏ فهاهنا لا بدّ من اثنين‏.‏

وقال نقلاً عن المدوّنة‏:‏ إذا اجتمع عدلان من أهل البصر على أنّ قيمتها ثلاثة دراهم قطع‏.‏

وقال‏:‏ ويكفي الواحد فيما يتعلّق بالسّؤال، وفيما كان علماً يؤدّيه‏.‏

ومثله ما قال في قائس الجراح من الاكتفاء بقول الواحد، لأنّه ليس على جهة الشّهادة‏.‏

وجاء في معين الحكّام‏:‏ ما بطن من العيوب في حيوان - فالطّريق هو الرّجوع إلى أهل البصر إن أخبر واحد عدلًا يثبت العيب في الخصومة‏.‏ والمشهور عن مالك الاكتفاء بقول القائف الواحد في النّسب، والتّاجر الواحد في قيمة المتلفات، كما ذكر ابن فرحون‏.‏

وقال الخرشيّ‏:‏ القاسم الواحد يكفي ‏;‏ لأنّ طريقه عن علم يختصّ به القليل من النّاس كالقائف، والمفتي، والطّبيب ولو كافرًا، إلاّ أن يكون وجّهه القاضي فيشترط فيه العدالة‏.‏ ومثله في كتب الشّافعيّة والحنابلة وتفصيل هذه المسائل في مصطلح‏:‏ ‏(‏شهادة‏)‏‏.‏

اختلاف أهل الخبرة

18 - إذا اختلف أهل الخبرة في التّقويم، أو الخرص، أو العيب في المبيع، أو نحو ذلك فللفقهاء في كلّ مسألة آراء تنظر في مواضعها، وفيما يلي أمثلة منها‏:‏

أ - ذكر الحنفيّة أنّه إذا اختلف التّجّار، أو أهل الخبرة في وجود العيب في المبيع، فقال بعضهم إنّه عيب، وقال الآخرون لا، فليس للمشتري الرّدّ، إذ لم يكن عيباً بيّناً عند الكلّ‏.‏ وعند المالكيّة في اختلاف شهود البائع والمشتري في تعيّب السّلعة وقدم العيب فيها رأيان‏:‏ الأخذ بأعدل البيّنتين، وترجيح بيّنة المبتاع‏.‏

قال ابن فرحون نقلاً عن المتيطيّة‏:‏ إذا أثبت مبتاع الدّار تشقّق الحيطان، وتعيّبها، وأنّها متهيّئة للسّقوط، وإنّ ذلك عيب يحطّ من ثمنها كثيراً، وأنّه أقدم من أمد التّبايع، وأنّه إنّما يظهر من خارج الدّار لا من داخلها، وشهد للبائع شهود أنّ الدّار سالمة ممّا ادّعى المبتاع، مأمونة السّقوط لاعتدال حيطانها وسلامتها من الميل الّذي هو سبب التّهدّم، وأنّ التّشقّق لا يضرّها مع أنّه لا يخفى على من نظر إليها، وثبت جميع ذلك عند الحاكم، فقال عبد اللّه بن عتّاب‏:‏ يقضى بأعدل البيّنتين ممّن له بصر بعيوب الدّور‏.‏ وقال ابن القطّان‏:‏ بيّنة المبتاع أولى ‏;‏ لأنّ البيّنة الّتي توجب الحكم إذا قبلت أعمل من الّتي تنفيه‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى الأخذ بقول أهل الخبرة فيما يختلف فيه البائع والمشتري في معرفة العيب وقدمه‏.‏ فلو فقد أهل الخبرة أو اختلفوا، صدّق المشتري لتحقّق العيب القديم، والشّكّ في مسقط الرّدّ‏.‏

ومثله ما في كتب الحنابلة في باب الإجارات‏.‏ وتفصيله في ‏(‏خيار العيب‏)‏‏.‏

ب - إذا اختلف المقوّمون للسّرقة فقال بعضهم‏:‏ لا تبلغ قيمتها ثلاثة دراهم، وقال غيرهم‏:‏ قيمتها ثلاثة دراهم، قال في المدوّنة‏:‏ إذا اجتمع عدلان من أهل البصر على أنّ قيمتها ثلاثة دراهم قطع وكذا قال مالك في سماع عيسى‏:‏ إذا اجتمع على السّرقة رجلان، لم يلتفت إلى من خالفهما، ثمّ قال في آخر المسألة نقلاً عن مالك‏:‏ إن دعي أربعة فاجتمع رجلان على قيمة قال‏:‏ ينظر القاضي إلى أقرب التّقويم إلى السّداد، بأن يسأل من سواهم حتّى يتبيّن له السّداد من ذلك‏.‏

ج - إن اختلف الخارصون في قدر التّمر الّذي خرصوه في وقت واحد يعمل بتخريص الأعرف منهم، ويلغى تخريص ما سواه، وإن لم يكن فيهم أعرف، فيؤخذ من كلّ قول جزء كما ذكره المالكيّة‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ خرص‏)‏‏.‏

ختان

التّعريف

1 - الختان والختانة لغةً الاسم من الختن، وهو قطع القلفة من الذّكر، والنّواة من الأنثى، كما يطلق الختان على موضع القطع‏.‏ يقال ختن الغلام والجارية يختنهما ويختنهما ختناً‏.‏ ويقال غلام مختون وجارية مختونة وغلام وجارية ختين، كما يطلق عليه الخفض والإعذار، وخصّ بعضهم الختن بالذّكر، والخفض بالأنثى، والإعذار مشترك بينهما‏.‏

والعذرة‏:‏ الختان، وهي كذلك الجلدة يقطعها الخاتن‏.‏ وعذر الغلام والجارية يعذرهما، عذرًا وأعذرهما ختنهما‏.‏ والعذار والإعذار والعذيرة والعذير طعام الختان‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء للمصطلح عن معناه اللّغويّ‏.‏

حكم الختان

اختلف الفقهاء في حكم الختان على أقوال‏:‏

القول الأوّل‏:‏

2 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة وهو وجه شاذّ عند الشّافعيّة، وروايةً عن أحمد‏:‏ إلى أنّ الختان سنّة في حقّ الرّجال وليس بواجب‏.‏ وهو من الفطرة ومن شعائر الإسلام، فلو اجتمع أهل بلدة على تركه حاربهم الإمام، كما لو تركوا الأذان‏.‏

وهو مندوب في حقّ المرأة عند المالكيّة، وعند الحنفيّة والحنابلة في رواية يعتبر ختانها مكرمةً وليس بسنّة، وفي قول عند الحنفيّة‏:‏ إنّه سنّة في حقّهنّ كذلك، وفي ثالث‏:‏ إنّه مستحبّ‏.‏

واستدلّوا للسّنّيّة بحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما مرفوعاً‏:‏ «الختان سنّة للرّجال مكرمة للنّساء» وبحديث أبي هريرة مرفوعاً «خمس من الفطرة الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقصّ الشّارب»‏.‏

وقد قرن الختان في الحديث بقصّ الشّارب وغيره وليس ذلك واجباً‏.‏

وممّا يدلّ على عدم الوجوب كذلك أنّ الختان قطع جزء من الجسد ابتداءً فلم يكن واجباً بالشّرع قياساً على قصّ الأظفار‏.‏

القول الثّاني‏:‏

3 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة، وهو مقتضى قول سحنون من المالكيّة‏:‏ إلى أنّ الختان واجب على الرّجال والنّساء‏.‏

واستدلّوا للوجوب بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً‏}‏ قد جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «اختتن إبراهيم النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانين سنةً بالقدوم» وأمرنا باتّباع إبراهيم صلى الله عليه وسلم أمر لنا بفعل تلك الأمور الّتي كان يفعلها فكانت من شرعنا‏.‏

وورد في الحديث كذلك‏:‏ «ألق عنك شعر الكفر واختتن» قالوا‏:‏ ولأنّ الختان لو لم يكن واجباً لما جاز كشف العورة من أجله، ولمّا جاز نظر الخاتن إليها وكلاهما حرام، ومن أدلّة الوجوب كذلك أنّ الختان من شعار المسلمين فكان واجبًا كسائر شعارهم‏.‏

وفي قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا التقى الختانان وجب الغسل» دليل على أنّ النّساء كنّ يختتنّ، ولأنّ هناك فضلةً فوجب إزالتها كالرّجل‏.‏ ومن الأدلّة على الوجوب أنّ بقاء القلفة يحبس النّجاسة ويمنع صحّة الصّلاة فتجب إزالتها‏.‏

القول الثّالث‏:‏

4 - هذا القول نصّ عليه ابن قدامة في المغني، وهو أنّ الختان واجب على الرّجال، ومكرمة في حقّ النّساء وليس بواجب عليهنّ‏.‏

مقدار ما يقطع في الختان

5 - يكون ختان الذّكور بقطع الجلدة الّتي تغطّي الحشفة، وتسمّى القلفة، والغرلة، بحيث تنكشف الحشفة كلّها‏.‏ وفي قول عند الحنابلة‏:‏ إنّه إذا اقتصر على أخذ أكثرها جاز‏.‏

وفي قول ابن كجّ من الشّافعيّة‏:‏ إنّه يكفي قطع شيء من القلفة وإن قلّ بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها‏.‏ ويكون ختان الأنثى بقطع ما ينطلق عليه الاسم من الجلدة الّتي كعرف الدّيك فوق مخرج البول‏.‏ والسّنّة فيه أن لا تقطع كلّها بل جزء منها‏.‏

وذلك لحديث أمّ عطيّة - رضي الله عنها - «أنّ امرأةً كانت تختن بالمدينة فقال لها النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تنهكي فإنّ ذلك أحظى للمرأة وأحبّ إلى البعل»‏.‏

وقت الختان

6 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الوقت الّذي يصير فيه الختان واجباً هو ما بعد البلوغ، لأنّ الختان من أجل الطّهارة، وهي لا تجب عليه قبله‏.‏

ويستحبّ ختانه في الصّغر إلى سنّ التّمييز لأنّه أرفق به، ولأنّه أسرع برءاً فينشأ على أكمل الأحوال‏.‏

وللشّافعيّة في تعيين وقت الاستحباب وجهان‏:‏ الصّحيح المفتى به أنّه يوم السّابع ويحتسب يوم الولادة معه لحديث جابر‏:‏ «عقّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيّام»، وفي مقابله وهو ما عليه الأكثرون أنّه اليوم السّابع بعد يوم الولادة‏.‏

وفي قول للحنابلة والمالكيّة‏:‏ إنّ المستحبّ ما بين العام السّابع إلى العاشر من عمره، لأنّها السّنّ الّتي يؤمر فيها بالصّلاة، وفي رواية عن مالك أنّه وقت الإثغار، إذا سقطت أسنانه، والأشبه عند الحنفيّة أنّ العبرة بطاقة الصّبيّ إذ لا تقدير فيه فيترك تقديره إلى الرّأي، وفي قول‏:‏ إنّه إذا بلغ العاشرة لزيادة الأمر بالصّلاة إذا بلغها‏.‏

وكره الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة الختان يوم السّابع لأنّ فيه تشبّهاً باليهود‏.‏

ختان من لا يقوى على الختان

7 - من كان ضعيف الخلقة بحيث لو ختن خيف عليه، لم يجز أن يختن حتّى عند القائلين بوجوبه، بل يؤجّل حتّى يصير بحيث يغلب على الظّنّ سلامته، لأنّه لا تعبّد فيما يفضي إلى التّلف، ولأنّ بعض الواجبات يسقط بخوف الهلاك فالسّنّة أحرى، وهذا عند من يقول إنّ الختان سنّة‏.‏ وللحنابلة تفصيل في مذهبهم، ملخّصه أنّ وجوب الختان يسقط عمّن خاف تلفاً، ولا يحرم مع خوف التّلف لأنّه غير متيقّن، أمّا من يعلم أنّه يتلف به وجزم بذلك فإنّه يحرم عليه الختان لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ‏}‏‏.‏

من مات غير مختون

8 - لا يختن الميّت الأقلف الّذي مات غير مختون‏.‏ لأنّ الختان كان تكليفاً، وقد زال بالموت، ولأنّ المقصود من الختان التّطهير من النّجاسة، وقد زالت الحاجة بموته‏.‏ ولأنّه جزء من الميّت فلا يقطع، كيده المستحقّة في قطع السّرقة، أو القصاص وهي لا تقطع من الميّت، وخالف الختان قصّ الشّعر والظّفر، لأنّهما يزالان في الحياة للزّينة، والميّت يشارك الحيّ في ذلك، وأمّا الختان فإنّه يفعل للتّكليف به، وقد زال بالموت‏.‏

وفي قول ثان للشّافعيّة‏:‏إنّه يختن الكبير والصّغير لأنّه كالشّعر والظّفر وهي تزال من الميّت‏.‏ والقول الثّالث عندهم‏:‏ إنّه يختن الكبير دون الصّغير، لأنّه وجب على البالغ دون الصّغير‏.‏

من ولد مختوناً بلا قلفة

9 - من ولد مختوناً بلا قلفة فلا ختان عليه لا إيجاباً ولا استحباباً، فإن وجد من القلفة شيء يغطّي الحشفة أو بعضها، وجب قطعه كما لو ختن ختاناً غير كامل، فإنّه يجب تكميله ثانيًا حتّى يبين جميع القلفة الّتي جرت العادة بإزالتها في الختان‏.‏

وفي قول عند المالكيّة‏:‏ إنّه تجرى عليه الموسى، فإن كان فيه ما يقطع قطع‏.‏

تضمين الخاتن

10 - اتّفق الفقهاء على تضمين الخاتن إذا مات المختون بسبب سراية جرح الختان، أو إذا جاوز القطع إلى الحشفة أو بعضها أو قطع في غير محلّ القطع‏.‏ وحكمه في الضّمان حكم الطّبيب أي أنّه يضمن مع التّفريط أو التّعدّي وإذا لم يكن من أهل المعرفة بالختان‏.‏ وللفقهاء تفصيل في هذه المسألة‏:‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّ الخاتن إذا ختن صبيّاً فقطع حشفته ومات الصّبيّ، فعلى عاقلة الخاتن نصف ديته، وإن لم يمت فعلى عاقلته الدّية كلّها، وذلك لأنّ الموت حصل بفعلين‏:‏

أحدهما مأذون فيه وهو قطع القلفة، والآخر غير مأذون فيه وهو قطع الحشفة، فيجب نصف الضّمان‏.‏ أمّا إذا برئ فيجعل قطع الجلدة وهو المأذون فيه كأن لم يكن، وقطع الحشفة غير مأذون فيه فوجب ضمان الحشفة كاملاً وهو الدّية، لأنّ الحشفة عضو مقصود لا ثاني له في النّفس فيقدّر بدله ببدل النّفس كما في قطع اللّسان‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه لا ضمان على الخاتن إذا كان عارفاً متقناً لمهنته ولم يخطئ في فعله كالطّبيب، لأنّ الختان فيه تغرير فكأنّ المختون عرّض نفسه لما أصابه‏.‏

فإن كان الخاتن من أهل المعرفة بالختان وأخطأ في فعله فالدّية على عاقلته، فإن لم يكن من أهل المعرفة عوقب، وفي كون الدّية على عاقلته أو في ماله قولان‏:‏ فلابن القاسم إنّها على العاقلة، وعن مالك وهو الرّاجح إنّها في ماله‏.‏ لأنّ فعله عمد والعاقلة لا تحمل عمداً‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الخاتن إذا تعدّى بالجرح المهلك، كأن ختنه في سنّ لا يحتمله لضعف ونحوه أو شدّة حرّ أو برد فمات لزمه القصاص، فإن ظنّ كونه محتملًا فالمتّجه عدم القود لانتفاء التّعدّي‏.‏ ويستثنى من حكم القود الوالد وإن علا، لأنّه لا يقتل بولده، وتلزمه دية مغلّظة في ماله لأنّه عمد محض‏.‏ فإن احتمل الختان وختنه وليّ، أو وصيّ، أو قيّم فمات، فلا ضمان في الأصحّ لإحسانه بالختان، إذ هو أسهل عليه ما دام صغيراً بخلاف الأجنبيّ لتعدّيه ولو مع قصد إقامة الشّعار‏.‏

ولم ير الزّركشيّ القود في هذه الحالة على الأجنبيّ أيضاً لأنّه ظنّ أنّه يقيم شعيرةً‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه لا ضمان على الخاتن إذا عرف منه حذق الصّنعة، ولم تجن يده، لأنّه فعل فعلاً مباحاً فلم يضمن سرايته كما في الحدود، وكذلك لا ضمان إذا كان الختان بإذن وليّه، أو وليّ غيره أو الحاكم‏.‏ فإن لم يكن له حذق في الصّنعة ضمن، لأنّه لا يحلّ له مباشرة القطع، فإن قطع فقد فعل محرّماً غير مأذون فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من تطبّب ولا يعلم منه طبّ فهو ضامن» وكذلك يضمن إذا أذن له الوليّ وكان حاذقاً ولكن جنت يده ولو خطأً، مثل أن جاوز قطع الختان فقطع الحشفة أو بعضها، أو غير محلّ القطع، أو قطع بآلة يكثر ألمها، أو في وقت لا يصلح القطع فيه‏.‏ وكذلك يضمن إذا قطع بغير إذن الوليّ‏.‏

آداب الختان

11 - تشرع الوليمة للختان وتسمّى الإعذار والعذار، والعذرة، والعذير‏.‏

والسّنّة إظهار ختان الذّكر، وإخفاء ختان الأنثى‏.‏ وصرّح الشّافعيّة بأنّها تستحبّ في الذّكر ولا بأس بها في الأنثى للنّساء فيما بينهنّ، والتّفصيل في ‏(‏وليمة، ودعوة‏)‏‏.‏

خديعة

التّعريف

1 - الخديعة والخدعة مصدر خدع يخدع إظهار الإنسان خلاف ما يخفيه‏.‏ أو هو بمعنى الختل وإرادة المكروه‏.‏ والفاعل‏:‏ الخادع، وخدّاع وخدوع مبالغة، والخدعة - بالضّمّ - ما يخدع به الإنسان مثل اللّعبة لما يلعب به والحرب خدعة - مثلّثة الخاء - والفتح أفصح‏.‏ قال ثعلب‏:‏ بلغنا أنّها لغة النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن هذا

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الغدر‏:‏

2 - الغدر، هو ترك الوفاء بالعهد، أو نقضه‏.‏ قال‏:‏ غدره وغدر به غدراً‏:‏ أي خانه، ونقض عهده‏.‏

ب - الغبن‏:‏

3 - هو من غبنه يغبنه غبْناً - بتسكين الباء - في البيع أي‏:‏ خدعه، وغبن الرّأي وغبن فيه غبناً وغبَناً - بفتح الباء - غلط فيه ونسيه وأغفله‏.‏

والغبن عند الفقهاء يكون في البيع خاصّةً‏.‏ فهو أخصّ من الخديعة‏.‏

ج - الخيانة‏:‏

4 - الخيانة‏:‏ التّفريط في العهد والأمانة وترك النّصح فيها‏.‏

والخديعة قد تكون مع خيانة الأمانة وقد لا تكون‏.‏

د - الغرور، والتّغرير‏:‏

5 - الغرور مصدر غرّه يغرّه غروراً، إذا خدعه وأطمعه بالباطل‏.‏ والتّغرير إيقاع الشّخص في الغرر‏.‏ والغرر ما انطوت عنك عاقبته، أو ما تردّد بين أمرين أغلبهما أخوفهما‏.‏

هـ – الغشّ‏:‏

6 - وهو مصدر غشّه يغشّه - بالضّمّ - غشّاً لم يمحّضه النّصح، أو أظهر له خلاف ما يبطنه، يقال‏:‏ شيء مغشوش‏.‏

و - التّدليس‏:‏

7 - التّدليس، كتمان عيب الشّيء وأكثر ما يكون في البيع‏.‏ فالتّدليس نوع من الخديعة‏.‏

ز - التّورية‏:‏

8 - وهي من ورّى الخبر توريةً‏:‏ أي ستره، وأظهر غيره فهي أيضاً نوع من الخديعة‏.‏ ح ح - التّزوير‏:‏

9 - هو تحسين الشّيء، ووصفه بخلاف صفته حتّى يخيّل إلى من يسمعه أو يراه أنّه بخلاف ما هو عليه في الحقيقة، فهو تمويه الباطل بما يوهم أنّه حقّ‏.‏ وأكثر ما يكون في المستندات من الوثائق والشّهادات‏.‏

ط - الحيلة‏:‏

10 - هي في اللّغة الحذق وجودة النّظر والقدرة على التّصرّف في تدبير الأمور‏.‏

وقد ذكر ابن القيّم أنّه غلب في العرف على الحيلة استعمالها في سلوك الطّرق الخفيّة الّتي يتوصّل بها الرّجل إلى حصول غرضه، بحيث لا يتفطّن له إلاّ بنوع من الذّكاء والفطنة‏.‏ وقال الرّاغب‏:‏ وأكثر استعمالها فيما في تعاطيه خبث،وقد يستعمل فيما في استعماله حكمة‏.‏

الحكم التّكليفيّ

11 - الخديعة بمعنى - إظهار الإنسان خلاف ما يخفيه - حرام إذا كان فيها خيانة أمانة، أو نقض عهد‏.‏ وهذا لا يعلم فيه خلاف بين علماء الأمّة، وتواترت نصوص الكتاب والسّنّة المطهّرة في النّهي عنها‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ‏}‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ‏}‏‏.‏

وجاء في الحديث‏:‏ «يطبع المؤمن على الخلال كلّها إلاّ الخيانة والكذب»‏.‏

وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّه لا ينبغي لنبيّ أن تكون له خائنة الأعين»‏.‏

وعدّها النّبيّ صلى الله عليه وسلم من علامات النّفاق فقال‏:‏ «آية المنافق ثلاث‏:‏ إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان»‏.‏

وقال النّبيّ عليه الصلاة والسلام‏:‏ «إنّي لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد»‏.‏

قال الصّنعانيّ في سبل السّلام‏:‏ في الحديث دليل على حفظ العهد، والوفاء به‏.‏

ونهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ عن عقود معيّنة تدخل فيها الخديعة من النّجش، والتّصرية، وتلقّي الرّكبان‏.‏ ونصّ الفقهاء على أنّ للمخدوع فيها حقّ خيار الفسخ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ قالا‏:‏ «إنّ رجلاً ذكر للنّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه يخدع في البيوع، فقال‏:‏ إذا بايعت فقل لا خلابة» أي لا خديعة‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ نجش، وتصرية، وتدليس‏)‏‏.‏

الخديعة في حقّ غير المسلمين

12 - أمّا الخديعة في حقّ غير المسلمين في الحرب، فإن كان بينهم وبين المسلمين عهد، فلا يجوز الخدع، ولا التّبييت بالهجوم الغادر، وهم آمنون مطمئنّون إلى عهد لم ينقض، ولم ينبذ، حتّى لو كنّا نخشى الخيانة من جانبهم‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ‏}‏ وأمّا إذا استشعر الإمام عزمهم على الخيانة بأمارات تدلّ عليها لا بمجرّد توهّم، لم ينتقض عهدهم، ولا يجوز خدعهم ولا تبييتهم بهجوم غادر، وهم آمنون مطمئنّون إلى عهد لم ينقض، ولم ينبذ‏.‏ بل ينبذ إليهم العهد ثمّ يقاتلهم‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ‏}‏‏.‏

قال الشّوكانيّ في تفسير الآية‏:‏ إمّا تخافنّ من قوم خيانةً‏:‏ أي غشّاً، ونقضًا للعهد من القوم المعاهدين فاطرح إليهم العهد الّذي بينك وبينهم، على سواء أي أخبرهم إخباراً ظاهراً مكشوفاً بالنّقض، ولا تناجزهم الحرب بغتةً‏.‏

13 - فأمّا بعد أن نبذ إليهم عهدهم، وصار علمهم وعلم المسلمين بنقضه على سواء، وبعد أن أخذ كلّ خصم حذره، فإنّ كلّ وسائل الخدعة مباحة، لأنّها ليست غادرةً، فمن جازت عليه الخدعة والحالة هذه، فهو غافل وليس بمغدور به‏.‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الحرب خدعة»‏.‏

وجاء في فتح الباري في الحديث‏:‏ الأمر باستعمال الحيلة في الحرب مهما أمكن، والنّدب إلى خداع الكفّار، قال النّوويّ‏:‏ اتّفقوا على جواز خداع الكفّار في الحرب كلّما أمكن، إلاّ أن يكون فيه نقض عهد، أو أمان فلا يجوز‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ أمان، عهد، هدنة‏)‏‏.‏

وفيه الإشارة إلى استعمال الرّأي في الحرب بل الاحتياج إليه أكثر من الشّجاعة‏.‏ وقال ابن المنير‏:‏ معنى «الحرب خدعة» الحرب الجيّدة لصاحبها الكاملة في مقصودها إنّما هي المخادعة، لا المواجهة، وذلك لخطر المواجهة وحصول الظّفر مع المخادعة بغير خطر‏.‏ قال النّوويّ‏:‏ قال العلماء‏:‏ إذا دعت مصلحة شرعيّة راجحة إلى خداع المخاطب، أو حاجة لا مندوحة عنها إلاّ بالكذب، فلا بأس بالتّورية، والتّعريض‏.‏

وإن لم يكن شيء من ذلك فهو مكروه، وليس بحرام إلاّ أن يتوصّل به إلى أخذ باطل، أو دفع حقّ فيصير عندئذ حراماً‏.‏

وفي التّورية قول محمّد بن مسلمة، في قصّة كعب بن الأشرف بعد أن استأذن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يقول‏:‏ كما جاء في حديث جابر‏:‏ «إنّ هذا أي‏:‏ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قد عنّانا، وسألنا الصّدقة، فإنّا اتّبعناه فنكره أن ندعه» وكلّ هذه الكلمات تورية‏:‏ وقصد بها إلى معنىً غير المعنى المتبادر منها‏.‏ ومعنى عنّانا‏:‏ كلّفنا بالأوامر والنّواهي‏.‏ ومعنى سألنا الصّدقة‏:‏ طلبها ليضعها في مكانها الصّحيح‏.‏ونكره أن ندعه‏:‏ نكره أن نفارقه‏.‏ وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغزو غزوةً ورّى بغيرها‏.‏

والمراد أنّه إذا كان يريد غزو جهة فلا يظهرها ويظهر غيرها، كأن يريد أن يغزو جهة الشّرق، فيسأل عن أمر في جهة الغرب، فيتجهّز للسّفر فيظنّ من يراه، ويسمعه أنّه يريد جهة الغرب‏.‏ وهذا في الغالب فقد صرّح بجهة غزوة تبوك للتّأهّب لها‏.‏